رد على مقال الأخ مكرم مشرقي HOT لاهوت
الأخ في المسيح مكرم مشرقي،
تحية محبة واحترام. أكتب هذا المقال رداً على مقالٍ كتبته ونشرته في موقع لينغا بتاريخ 31 آب 2015. لقد تطرّق مقالك بشكل مباشر لمواضيع أبحث فيها
وأكتب عنها، وقد أظهرت بشكل واضح معارضتك لطرح مؤتمرات مثل مؤتمر المسيح أمام
الحاجز ومؤتمر الكوفية والصليب – وهي مؤتمرات أقودها. لذا رأيت بالضرورة الرد على
هذا المقال. سأتطرق أولاً لبعض المواضيع في قلب المقال ثم سأجيب على الأسئلة التي
طرحتها في النهاية. إن الذي شجعني على كتابة هذا الردّ هو ما قلته في بداية مقالك
أن "ايماننا الأقدس (أي اساس الايمان المشترك) يضعنا في صف واحد، كنيسة واحدة،
عائلة الله"، وما قلته في خاتمة مقالك أن تساؤلاتك هي "اسئلة للبحث العميق
الصادق!" من هذا المنطلق أود أن أشكرك أولاً على روحك المسيحية في طرح هذا
الموضوع وثانياً على إيمانك بأهمية البحث.
أوضح هنا أنني أكتب بحكم خدمتي كالعميد الأكاديمي لكلية بيت
لحم للكتاب المقدس ومدير مؤتمر المسيح أمام الحاجز وأحد المشرفين ضمن لجنة من
الشباب على مؤتمر الكوفية والصليب. كما وأشدد على تقديري للأخ مكرم وأن مقالي
يخاطب أفكاراً ولا يهاجم أفراداً.
أولاً: اللاهوت الفلسطيني. أعتقد أن فهمك لموضوع اللاهوت
الفلسطيني هو ليس دقيقاً. اللاهوت الفلسطيني ليس "اللاهوت اللاألفي".
الموضوع الرئيسي هو ليس آخر الأيام. يوجد مسيحيين أصدقاء للفلسطينيين يؤمنون
بالفكر المسمى "ما قبل الألف سنة" ومع ذلك يتبنون المواقف التي ينادي
بها اللاهوت الفلسطيني. اللاهوت الفلسطيني هو بالدرجة الأولى اللاهوت الذي يخاطب
الواقع الفلسطيني من منظور إيماني ويبحث عن أجوبة من الكتاب المقدس عما يحصل من
حولنا. اللاهوت الفلسطيني هو دراسة كلمة الله وفكره كعربي فلسطيني وهو لاهوت يأخذ تحديات
المجتمع بجدية ويناقشها في ضوء فكر الله وكلمته. نادى اللاهوت الفلسطيني بأهمية
العدالة في الأرض من منظور كتابي. وحاور هذا اللاهوت وتحدى – من منظور كتابي -
الفكر أن الأرض ملكٌ أبدي غير مشروط لليهود وأن دولة إسرائيل اليوم هي امتداد
مباشر لإسرائيل العهد القديم. واهتم اللاهوت الفلسطيني بأهمية صنع السلام ورفض
النمطية في التعامل مع الآخر وبضرورة رؤية صورة الله في الآخر. وتطرق هذا اللاهوت
إلى مواضيع تشغل بال الفلسطينيين بشكل يومي، مثل: كيف أقاوم الظلم (مثل سرقة أرضي)
بطريقة ترضي الله؟ كيف نحدّ من ظاهرة الهجرة؟ ما هو دور الكنيسة من النزاعات التي
تدور حولنا؟ كيف اتعامل مع جاري اليهودي والمسلم والتعددية المسيحية في بلادنا؟
بعبارة أخرى، إن اختزال اللاهوت الفلسطيني بفكرة
"اللاهوت اللا ألفي" هي موقف غير صحيح على الإطلاق، وربما يدل على سوء فهم
لهذا اللاهوت ولما نناقشه في مؤتمراتنا وما نكتب عنه.
ثانياً: أنا لا أقبل – من منطلق كتابي قبل كل شيء – أن تأسيس
دولة إسرائيل اليوم هو تحقيق للنبوات. وأيضاً أرفض بشدة ما قلته عن "قصد الله
بعودة اليهود كشعب غير مؤمن الى ارض الموعد ليدخلهم كأمّة في ضيق عظيم بسبب مسؤوليتهم
الجماعية عن صلب المسيح". أنا لا أؤمن أن اليهود اليوم مسئولون بصورة جماعية
عن صلب المسيح. هذا فكر فيه معاداة للسامية، وقاد في الماضي إلى أفعال من قبل
الكنيسة نخجل منها اليوم، إذ اضطهدت الكنيسة اليهود لأنهم صلبوا المسيح. نعم لقد
ساهم بعض قادة اليهود قبل ألفي عام بصلب المسيح ونعم قال عدد من الشعب في القدس
دمه علينا وعلى أولادنا، ولكن هل يعني هذا أن كل يهوديّ اليوم – بعد ألفي عام –
سيقع تحت تأديب الله بسبب هذا؟ وهل كل يهود اليوم هم أبناء اليهود الذين صلبوا
المسيح؟ ماذا عن اليهود في الشتات أيام المسيح – والذين كانوا عدداً أكثر كثيراً
من يهوديي فلسطين؟ هل نلومهم أيضاً؟ وماذا عن من اعتنق اليهودية ديناً بعد مئات
السنين من صلب المسيح؟ هل هو مسئول عن صلب المسيح؟ أنا لا أقبل هذا التفسير، وكما
شددنا في مؤتمراتنا: مشكلتنا ليست مع اليهود، بل مع البرامج السياسية الإسرائيلية التي
تتعارض مع كلمة الله مثل الاحتلال. أتمنى في هذا السياق ألا ننسى أننا نحن من
صلبنا المسيح بخطايانا. إذا أردنا أن نلوم أحداً على صلب المسيح، فلنلم أنفسنا!
ثالثاً: أنا لا أومن بالفصل الذي تنادي به بين الكنيسة
وإسرائيل العهد القديم. يفترض مقالك أن هذا الفصل هو أمر مفروغ منه وكأنه الشيء
الكتابي الوحيد. أليس المؤمن بالمسيح هو نسل إبراهيم؟ ووراثٌ حسب الموعد (غلا
27:3-29)؟ أَوَلا يقول الكتاب أن الأمم شركاء في الميراث والجسد (أف 6:3)؟ أَوَلا
يؤكد بولس أن المواعيد التي أُعطيت لإسرائيل في العهد القديم هي من أجل كنيسة
كورنثوس اليوم (2 كور 1:7)؟
ليس المجال هنا للخوض بالتفصيل لماذا لا أقبل بالفكر
التدبيري، والموضوع لا يتعلق بكوني فلسطيني. الفكر التدبيري غير مقبول من أكثرية
الإنجيليين اليوم، وقطعاً لا يعبّر هذا الفكر عن أغلبية المسيحيين. طريقة كتابتك
للمقال توحي أن الفكر التدبيري هو الفكر الكتابي الوحيد، وأننا نرفض الكتاب لدوافعنا
السياسية، وهو ما لا أقبله أبداً!
الملفت أنك تلومنا لأننا نتبنى اللاهوت اللاألفي، ثم تدعو
للاهوت ما قبل الألفية – من جديد وكأن هذا هو اللاهوت الكتابي الصحيح. الكثير من
المسيحيين والإنجليين منهم يؤمنون بالفكر اللاألفي. الموضوع لا يتعلق بالمسيحية
الصهيونية بالدرجة الأولى. عندما أتبنى هذا الفكر، أنا أقف في صف الكثيرين من نخبة
المفسرين والقادة واللاهوتيين، وحتى أغسطينوس (الذي ذكرته في مقالك) مال إلى تأييد
الفكر اللاألفي!
رابعاً: تضايقتُ جداً عندما قرأت: " ألستم
تغوصون في السياسة مثلهم وأتجرأ أن أضيف أنه لو كانت لكم إمكانياتهم الماديّة فلربما
تطرفتم أكثر منهم". هنا حكمٌ قاسٍ على الكثيرين منا – من يكتب ويتكلم في
هذه الأمور من دافع حبنا للمسيح والكتاب وحتى الوطن. أنت هنا تهاجم دوافعنا
واستقامتنا. حتى لو لم تقصدني شخصياً بهذا المقال، هناك في النهاية اتهامٌ لنا من
ندافع عن اللاهوت الفلسطيني بأننا متطرفون ومشكلتنا أننا لا نملك المال! نعم نحن
لا نملك المال، ولكن نملك إيماناً بربّ الكون الذي دعانا أن نحامي عن المظلوم (مز
3:82).
خامساً: نحن لم نستبدل إسرائيل بفلسطين أو حتى الكنيسة كما
تدعي في مقالك. لا أدري من أتيت بهذا! هل سمعت لنا؟ هل قرأت لنا؟ نحن نريد أن يكون المسيح هو المركز.
ونحن نرى أن المشكلة هي أن إسرائيل هي مركز لاهوت الكثيرين اليوم، خاصة المسيحيون
الصهاينة. نحن ببساطة نريد أن يكون يسوع هو المركز – هو حجر الزاوية.
أخيراً، اسمح لي أن أجيب على أسئلتك:
سألت: هل الكتاب المقدّس مقروء ومفهوم بعمق في كنائسنا، حتى يتفرّغ
الدارسون لكل هذه المواضيع الأخرى؟ كم أفرح عندما أرى كتبًا محليّة روحيّة عميقة بنّاءة
للمؤمنين. لماذا هذا الكم من المقالات والكتب ورسائل الدكتوراة في هذه المواضيع بالذات؟
وأجيب: من قال لك أن هذه هي المواضيع الوحيدة التي نكتب فيها
أو ندرسها أو ندرّسها؟ في كلية بيت لحم للكتاب المقدس نحن ندرّس الكتاب المقدس
وخلفياته واللاهوت وتاريخ الكنيسة. ونعلم عن التلمذة والمشورة والحياة الروحية.
حتى في مؤتمراتنا هناك تنوع، فعلى سبيل المثال لا الحصر، قمنا في الأشهر الأخيرة
بمؤتمرات ولقاءات عن القيادة المسيحية والعبادة والشبيبة وعن مفهوم الله في
المسيحية والإسلام ومواضيع أخرى!
إضافة إلى ذلك، أقوم أنا وزملائي الذين ننادي باللاهوت
الفلسطيني بالوعظ في كنائسنا أسبوعياً عن المسيح وخلاصه وموته على الصليب عن
خطايانا. من قال أننا لا نتكلم إلا عن "اللاهوت الفلسطيني"؟
سألت: الا نضع بهذا أنفسنا كإنجيليين ملتزمين في خندق واحد مع
اللاهوتيين الليبراليين؟
وأجيب: لدي مشكلة كبيرة في طرحك! أولاً: من قال أن ربط
الإيمان بالواقع والتكلم عن السياسية والعدالة وطرق مواجهة الظلم هي من احتكار
"الليبراليين"؟ ألا يجب علينا كإنجيليين نؤمن أن "كُلُّ الْكِتَابِ
هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ
وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا
لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ" – ألا يجب علينا أن نعطي رأي الكتاب في مواقف مثل
سرقة الأراضي وتشريد الناس والفصل العنصري؟ عدم إعطائنا لرأينا هو في الواقع رأي.
أن لا نتكلم أمام هذه الأمور معناه أننا موافقون عليها!
سألت: ما الداعي لدعوة رجال السياسة الى المؤتمرات المسيحية؟
وأجيب: لا أفهم ما المانع من دعوة رجال السياسية إلى
المؤتمرات المسيحية؟ نحن نريد كل الناس أن يسمعوا عن المسيح وخاصة رجال
السياسة الذين يؤثرون على عدد كبير من الناس. ومن ثم، ألا يدعونا الكتاب المقدس
إلى إكرام السلطات؟ وألا يعلمنا أن السلاطين الكائنة هي من الله؟ نعيش اليوم
كمسيحيين فلسطينيين في بيت لحم في مناطق السلطة الوطنية الفلسطينية، وهذه السلطة
تدير أمورنا الإدارية والتربوية من خلال الوزارات المختلفة، أفلا يستحقون منا
الإكرام؟ دعوتنا لهم لا تعني طبعاً موافقتنا لكل شيء يقولونه. هذا موضوع آخر.
إضافة إلى ذلك، دعونا رجال سياسة في افتتاح مؤتمراتنا
للترحيب بضيوفنا في فلسطين، ليتأكدوا أنهم مُرحّبٌ بهم في فلسطين (بعكس الإدعاءات
الإسرائيلية أن بيت لحم خطرٌ عليهم). ونشعر أيضاً أن هناك حاجة ليدرك المجتمع
الفلسطيني وقادته السياسيين أنه لا يمكن أن نضع كل الإنجيليين في قالب واحد، فهناك
إنجيليون يحبون الفلسطينيين ويريدون الخير والسلام لهم.
سألت: ألم يعد هناك ما نربط به المسيح والصليب، عدا الحاجز والكوفية؟
ولماذا الآن؟؟
وأجيب: الحاجز هو واقعنا، والكوفية هي رمز هويتنا في هذه
الأرض، فإذا لم أربطهما بالصليب والمسيح، أصبح إيماني المسيحي غير قادرٍ على
التفاعل مع واقعي. المسيح والصليب هما العدسة التي أقرأ بها كل شيء في حياتي.
في الواقع، أتمنى أن نربط المسيح والصليب بأمور أكثر من
الكوفية والحاجز. أتمنى رؤية وحضور مؤتمرات يكون عنوانها: "المسيح والطلاق"،
أو "الصليب والعولمة"، أو "المسيح والعلم"، أو "الصليب
والتطرف".
إذا كان ذنبي أنني حاولت ربط واقعي بإيماني، فأنا مذنب! وإذا
كان ذنبي افتخاري بكوفيتي، فأنا مذنب!
إذا كان ذنبنا أننا نؤمن بسيادة الله على كل ركن من حياتنا –
وهذا يشمل السياسية والقضايا الاجتماعية وطريقة تعاملنا مع من يظلمنا – فنحن
مذنبون.
أما عن سؤالك "لماذا الآن؟" فأجيب: لأن مصادرة
الأراضي زادت – ومنها أراضٍ للمسيحيين. لأن بطش الاحتلال علينا زاد. لأن فرص
السلام أصبحت أقل. وأيضاً لأن المسيحية الصهيونية ما زالت تتغلغل في كنائسنا بل
وزادت. ولأن لاهوت المسيحية الصهيونية الذي يُبجّل إسرائيل في ازدياد، ولأن الدعم
السياسي من الكنائس الإنجيلية لدولة إسرائيل في ازدياد.
لماذا الآن؟ لأن الهجرة زادت والتطرف الديني زاد!
لماذا الآن؟ لأن المسيحيون يتساءلون: أين الكنيسة من كل هذا؟
هل لنا دورٌ؟ ما هي رسالتنا؟ شبابنا يبحثون عن أجوبة للتحديات التي يواجهونها بشكل
يوميّ – فأين نحن من كل هذا؟ أين نورنا ورسالتنا؟
أخيراً سألت: هل يليق بنا رَوحنة تعابير الكتاب المقدس لمجرّد
إرضاء من حولنا؟
أجيب: من جديد أرفض اتهامك لنا أن لاهوتنا دافعه إرضاء من
حولنا. هذه إهانة لنا، وأنا أرفض هذا بالمطلق. والملفت هنا أن اللاهوت التدبيري في
نظري هو من "يروحن الكتاب". فمثلاً، يقول بولس أن المؤمن بالمسيح هو نسل
إبراهيم، فيجيب اللاهوت التدبيري بروحنة هذه الآية أن المؤمن نسل إبراهيم بالروح،
بينما اليهودي هو نسل إبراهيم بالجسد. وكذا الأمر مع الميراث، فتتم روحنة ميراث
المسيحي على أنه السماء، بينما ميراث اليهودي هو الأرض. أرجو التفاعل مع لاهوتنا
لا مهاجمة دوافعنا واستقامتنا!
في نهاية مقالي هذا، أدعوك أخي العزيز وأدعو القارئين لحضور
مؤتمراتنا وقراءة كتاباتنا قبل إصدار الأحكام علينا. رسالتنا في مؤتمر المسيح أمام
الحاجز مبنية على قول المسيح: طوبى لصانعي السلام. لذا فإرساليتنا هي "حثّ الإنجيليين
على المساهمة في حل النزاعات في فلسطين/إسرائيل من خلال دراسة وتطبيق تعاليم السيد
المسيح حول ملكوت السموات".
أما في مؤتمر الكوفية والصليب الشبابي، فإرساليتنا هي:
"تشجيع الشباب المسيحي الفلسطيني على أخذ دور فعال كأتباع للمسيح في نشر
العدالة و السلام، من خلال مناقشة التحديات السياسية و الاجتماعية في مجتمعاتنا من
منظور الكتاب المقدس".
بمحبة،
الدكتور منذر اسحق
بيت لحم، 1/9/2015
Comments
الرب يباركك
علم الفلسفه الديني
علم النفس التطبيقي