الكنيسة أمام الاضطهاد
الكنيسة أمام الاضطهاد
يوحنا 1:16-4
قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ لاَ تَعْثُرُوا. سَيُخْرِجُونَكُمْ مِنَ
الْمَجَامِعِ، بَلْ تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ
أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً ِللهِ. وَسَيَفْعَلُونَ هذَا بِكُمْ لأَنَّهُمْ لَمْ
يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي. لكِنِّي قَدْ كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا حَتَّى إِذَا
جَاءَتِ السَّاعَةُ تَذْكُرُونَ أَنِّي أَنَا قُلْتُهُ لَكُمْ. وَلَمْ أَقُلْ
لَكُمْ مِنَ الْبِدَايَةِ لأَنِّي كُنْتُ مَعَكُمْ.
أسبوع جديد، هجوم جديد على اخوتنا واخواتنا أقباط
مصر؛ أبرياء يقتلون بلا سبب سوى أنهم مسيحيين. وما زلنا نسأل: إلى متى؟ إلى متى
يستمر سفك الدماء هذا؟ إلى متى يستمر موت الأبرياء؟
إلى متى هذا التطرف وهذه الكراهية – كراهية حدّ
الجنون والوحشية. كراهية لدرجة إعدام الأطفال! أي منطق هذا؟ أي تعبئة؟ أي تعليم؟
المؤلم والمحزن والمثير للغضب هو أن هذا يحصل باسم الدين! والله! متى سيواجه علماء الدين هذه الأفكار بجدية وحزم؟ (وهناك الكثيرون من المسلمين من يحاربون هذا الأفكار - نصلي لهم!)
وإلى متى هذا الإهمال السياسي في حماية المسيحيين في
مصر – كمواطنين في الدولة؟ إلى متى الإدانات والوعود الكاذبة؟
مع كل هجوم هناك احباط وخيبة أمل؛ شعور باليأس والقهر
والفلس... نريد أن نفعل شيئًا ولسنا نعرف ماذا؟! وهناك أيضًا الشعور بالخوف. البعض
منا بدأ يشكّ فيمن حوله. والبعض فقد شعوره بالانتماء للمشرق. فماذا عسانا أن نفعل؟
كيف نتصرف؟ سؤال يتوارد على أذهان الجميع.
يخاطبنا انجيل اليوم بكلمات صعبة والآن أصبحنا ندرك
أنها أيضًا كلمات واقعية. تَأْتِي سَاعَةٌ فِيهَا يَظُنُّ كُلُّ مَنْ يَقْتُلُكُمْ أَنَّهُ يُقَدِّمُ خِدْمَةً
للهِ. وَسَيَفْعَلُونَ هذَا بِكُمْ
لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي.
أعلمنا
يسوع بما سيحصل
لاحظوا معي أولاً أن يسوع عرف ما سيحصل. ولم يتكلم
فقط عن الاضطهاد الذي سيواجهه التلاميذ، بل عن دافع هذا الاضطهاد أيضًا: "سيظن من
يقتلكم أنه يقوم بخدمة من أجل الله". فلهذا قتلوا المسيح. ولهذا اضطهدوا
التلاميذ. اعتقدوا أنهم كفرة – يكفرون بالله ويتركون التعليم الصحيح. آمنوا أنهم
"خطرٌ على المجتمع وعلى نقاوة الدين" – لاحظوا معي: آمن الفريسيون أن نقاوة
الدين تتأثر بفكر خاطئ عن الله (أن المسيح هو الله)، بينما لم يكن لديهم أي مشكلة في
الترويج عن إله يقتل كلّ من لا يتفق معهم في نظرتهم عن هذا الإله!
السبب:
لأنهم لا يعرفون الله
المسيح في هذه الآيات يحدد لنا السبب الحقيقي
والجوهري وراء هذا الإرهاب: "لأنهم لم يعرفوا الآب ولا عرفوني." المشكلة
هنا في مفهومنا لله! السؤال الحقيقي هنا هو: ما هو الدين الصحيح؟ ما هي نظرتنا إلى
الله؟! هل وجبت عبادة هذا الإله على الجميع – بالإكراه إن لزم الأمر؟ (وهل يوجد
محبة بالإكراه؟!)
هل هو إله يُسرّ بالقتل؟ هل يُسرّ بأن يأخذ البشرية
إلى جهنم النار لعدم اتباعهم الدين الصحيح؟ على فكرة، كثيرون منا ومن أبنائنا
لديهم تصور عن الله بأنه هذا الإله الظالم الذي خلقنا خطّائين ووضع أمامنا طريقًا
ضيقة لنسلكها، وإن لم نسلكها فسيلاحقنا على خطايانا، الصغيرة والكبيرة، وإن لم
نسلكها فسيأخذنا إلى جهنم! (سمعت هذه الوصف لله من شابة مسيحية متعلمة ومؤمنة قبل
يومين فقط!)
هذا هو السؤال الحقيقي إذًا: من هو الله؟ كيف ينظر
للإنسان؟ هو الله رحيمٌ وغفور – للمسلمين فقط! هل هو محبة – للمسيحيين فقط؟ هل هو
حنّانٌ ورؤوف – لليهود فقط؟
لو عرفوني، يقول المسيح! لو عرفوا قلب الله! لأنه
هكذا أحب الله العالم! حتى بذل ابنه الوحيد. الله مثل الراعي الذي يركض ليبحث عن
خرافه – أبناءه وبناته. الله هو من يبحث عنا بدافع المحبة، لا القصاص. إنه يبحث عن
"بذرة" – بل "ذرة" ايمان فينا!
كل البشر مخلوقين على صورة الله. كلنا متساوون في
الخلق. وفي الكرامة. وفي محبة الله لنا. فإذا ساوى الله بيننا، فكيف نفرّق نحن
البشر فيما عمل الله! لهذا محبة القريب – الإنسان – هي جوهر إيماننا!
لأَنَّهُمْ لَمْ يَعْرِفُوا الآبَ وَلاَ عَرَفُونِي
يسوع
نفسه كان ضحية الإرهاب الديني
هل فهمنا الآن لماذا قتلوا المسيح. لم أعدموه بأبشع
الطرق. ولم يُقتل الأبرياء في مصر وسورية والعراق ونيجيريا... وفلسطين... وبورما
واليمن...
نسأل الآن: ماذا نفعل إذًا؟ هل يوجد ما نقوم به؟ كيف
نغلب العالم، كما قال المسيح. هل لنا دور؟ طبعًا. فإيماننا المسيحي هو دائمًا
إيمان واعٍ وعامل. هناك أمور كثيرة يمكننا بل ويجب أن نقوم بها. فالحياد ليس
بالخيار.
أولاً: نصلي... نصلي... لا تستهينوا بالصلاة! فالصلاة
عمل. والصلاة تغيّر. نصلي وبحرارة كي يوقف الله هذا الشر. نصلي وحتى نبكي أمام
الله! نرثي حالنا كبشر ونتوب أمامه على شرنا وكراهيتنا وقتلنا لأخينا الإنسان. يجب
أحيانًا أن نبكي أمام الله!
نصلي من أجل العائلات التي فقدت أبنائها وبناتها. كي
يعزيهم الروح القدس – المعزي! نصلي من أجل كنيسة مصر، كي يقويها الله ويعزيها.
نصلي من أجل الحكام في مصر، كي يأخذوا مسؤوليتهم أمام الله بأمانة.
وأيضًا، نصلي كما علمنا المسيح من أجل الذين يسيئون إلينا ويطردوننا. كي يفتح الله عيونهم وقلوبهم.
ثانيًا، أن نؤمن... أن نؤمن بسيادة الله وإرادته
وحكمته. وأيضًا بعدله. مزمور 6:103: "اَلرَّبُّ مُجْرِي الْعَدْلِ
وَالْقَضَاءِ لِجَمِيعِ الْمَظْلُومِينَ." رومية 19:12: "لِيَ
النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ". يجب أن نؤمن بهذا، وإيماننا
سيقودنا أن نواجه عواصف هذه الحياة!
ثالثًا، يجب أن نسامح المعتدي... هذه من أصعب الوصايا.
ولكن إذا فعلاً آمنا بصلاح الله وعدله، فيجب أن نسلّم له الأمور، وأن نتحرر من سجن
الحقد والنقمة. فيجب أن نسامح. كما قال المسيح على الصليب، عندما أعدموه ككافر: يا
أبتاه، اغفر لهم، لأنهم لا يعرفون ما يفعلون!
وفي المغفرة شهادة! شهادة عن الله ومحبته. شهادة
حقيقية عمن هو الله! انتشر قبل أسابيع فيديو عن أحد زوجات ضحايا تفجير طنطا، وهي
تقول إنها سامحت من قام بهذا التفجير، وأنها تؤمن أن زوجها في السماء – مما أثار
دهشة مذيع التلفزيون! ما أروعها من شهادة! وما أحوجنا لمثل هذه الشهادة، كي يعرف
الناس من هو الله!
رابعًا، علينا أن نحبّ... جوابنا على الكراهية هو
المحبة! المحبة هي أعظم وصية في إيماننا، لأنها تعكس قلب الله! والمسيح أوصانا أن
نحبّ حتى أعدائنا. وعندما نحب ننتصر! هكذا نغلب العالم. الحرب الحقيقية كما قال لي
أحد أصدقائي هي الحرب على "روح المسيحية وقلبها" – فيريدوننا أن نكره!
وسينتصرون عندما نكره. وسينتصرون عندما نخاف. الخوف ليس خيار مسيحي! فيجب أن نحب. المحبة
هي عنواننا.
وأخيرًا، علينا أن نبقى... يريدوننا أن نترك أوطاننا. يريدون أن يزرعوا الخوف فينا كي نترك مشرقنا. جوابنا هو البقاء والصمود. جوابنا هو الشهادة... ثقافتنا هي ثقافة الحياة والرجاء... خيارنا هو المحبة والعطاء.
لقد حصل هذا الحادث مع بداية شهر رمضان المبارك بحسب
الإيمان الإسلامي. فبمحبة وصدق نقول لهم "رمضان مبارك" – ولا نجعل هذه
الأحداث أن تقودنا لعكس ذلك. الإرهاب يريد أن يفرقنا، فيجب أن يكون ردنا هو العكس: المزيد من الوحدة والوفاق مع أحبتنا المسلمين. إنها فرصتنا لنظهر إيماننا ونشهد عن إلهنا.
ختامًا: إذا وجدنا الأمر صعبًا، علينا أن ننظر إلى المصلوب!
نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ... هو معنا! هو قريب
منا. ولنتذكر دائمًا أن خالق هذا الكون ليس بغريب عن هذا الإرهاب والشر الذي يعصف
عالمنا، فالمسيح نفسه ذهب ضحية هذا الإرهاب. فهو معنا. وفينا. ولنا. ولنا إيمان
أنه: مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضَيْقٌ أَمِ
اضْطِهَادٌ... فلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ، وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى، تَقْدِرُ أَنْ
تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا. آمين.
Comments