أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ

نبوة أرمياء... 
23 هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. 24بَلْ بِهذَا لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ، لأَنِّي بِهذِهِ أُسَرُّ، يَقُولُ الرَّبُّ. (أر 23:9-24)
15 أَمَا أَكَلَ أَبُوكَ وَشَرِبَ وَأَجْرَى حَقًّا وَعَدْلاً؟ حِينَئِذٍ كَانَ لَهُ خَيْرٌ. 16قَضَى قَضَاءَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ. أَلَيْسَ ذلِكَ مَعْرِفَتِي، يَقُولُ الرَّبُّ؟ (أر 15:22-16)

في محرّك البحث الشهير "جوجل"، عندما تبدأ بالكتابة، تراه يكمل الكتابة عنك، بناءً على تاريخ البحث حول العالم عن الكلمة أو الكلمات التي تطبعها. عندما تكتب باللغة الإنجليزية الله (God is)، يقترح التالي: (1) صالح (2) محبة (3) قادر (4) صالح كلّ الوقت (5) عظيم.
بالعربية، إذا طبعت كلمة "الله"، يقترح عليك: "أكبر"، "يرحمه"، "يوفقك".
إذا سألتكم اليوم: من هو الله؟ قد تكون الإجابة: الخالق. الله محبة. المخلّص. الإله... الربّ القدير؟
وإذا سألتكم: كيف نعرف الله؟ ما هي معرفة الله؟ من الذي يعرف الله؟ فكيف سنجيب؟ أن نعرف الله – هذا ما تتحدث عنه هذه الآيات. ماذا يعني أن نعرف الله؟ – ما هي معرفة الله؟ هذا هو السؤال!
تنبأ أرمياء النبي على مدار سنين عديدة. وعاصر ملوكًا كثيرين، وشهد سقوط مملكة يهوذا ودمار القدس. حينها أُخذ خيرة شباب القدس كأسرى حرب إلى بابل وشُرّد البعض بينما بقي الشيوخ والنساء في المدينة. كان الحزن والأسى يخيّم على الأجواء. وكانت الإمبراطورية البابلية بجبروتها تتكبر في الأرض ولا من يوقفها. وقبل أن يحصل هذا الدمار، وقبل أن تأتي هذه الهزيمة النكراء، كان أرمياء قد حذّر الشعب مرارًا وتكرارًا من أن الدينونة قادمة لا محالة إن لم يغيّر الشعب طرقه. وعندنا أتى الدمار، كانت رسالة أرمياء واضحة ومباشرة: نحنُ من جلبنا هذا الأمر على أنفسنا – والسبب هو تركنا وصايا الله: لقد عبدنا آلهة غريبة أولاً، وثانيًا، غابت العدالة عن أرضنا. ما حصل لنا هو دينونة إلهية.
كان كلام أرمياء توبيخًا للشعب، وفي ذات الوقت دعوة للتوبة ولتغيير المسار. كان أرمياء مثل ضمير الأمة. كان شجاعًا، ومكروهًا في ذات الوقت. لقد رفض الشعب والملوك رسالته، بل واضطهدوه. وأرمياء يُسمى "النبي الباكي"، من كثرة بكائه على خطايا الشعب، ولأن الكل رفضه وتركه. عارض الملك، وكنتيجة وُضع في السجن وكانت حياته في خطر. وكان أيضًا وحيدًا. هذه كلفة قول الحقّ أحيانًا – هذا ثمن أن تكون ضمير الأمة أو الجماعة.
واليوم أريد أن أشدّد على ما شدّد عليه أرمياء في عظاته وكتاباته: موضوع العدالة. وفي آيات اليوم، يضع أرمياء العدالة في إطار "معرفة الله!" بالنسبة لأرمياء، أن تعرف الله معناه أن تعرف صفاته أولاً، وأن تعكس هذه الصفات في حياتك ثانيًا. وهناك بالتحديد ثلاث صفات في آيات اليوم يشدّد عليها أرمياء، وهي مرتبطة ارتباطًا وثيقًا ببعضها البعض: الرحمة، القضاء، والعدل.
هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ يَفْتَخِرَنَّ الْحَكِيمُ بِحِكْمَتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْجَبَّارُ بِجَبَرُوتِهِ، وَلاَ يَفْتَخِرِ الْغَنِيُّ بِغِنَاهُ. بَلْ بِهذَا لِيَفْتَخِرَنَّ الْمُفْتَخِرُ: بِأَنَّهُ يَفْهَمُ وَيَعْرِفُنِي أَنِّي أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ، لأَنِّي بِهذِهِ أُسَرُّ، يَقُولُ الرَّبُّ.

أي: أن تعرف الله معناه أن تعرفه الإله الذي يحب ويصنع الرحمة والفضاء والعدل – كلمات مهمة ولها معنى كبير في زمن أرمياء --- كما اليوم!
أَمَا أَكَلَ أَبُوكَ وَشَرِبَ وَأَجْرَى حَقًّا وَعَدْلاً؟ حِينَئِذٍ كَانَ لَهُ خَيْرٌ. قَضَى قَضَاءَ الْفَقِيرِ وَالْمِسْكِينِ، حِينَئِذٍ كَانَ خَيْرٌ. أَلَيْسَ ذلِكَ مَعْرِفَتِي، يَقُولُ الرَّبُّ؟

(الكلام هنا عن يوشيا ملك يهوذا السبق: والرسالة ببساطة هي: الملك الذي أجرى الحقّ والعدل والذ قضى للفقير والمسكين، هذا هو الذي عرف الله! أَلَيْسَ ذلِكَ مَعْرِفَتِي، يَقُولُ الرَّبُّ؟)
لنكن صريحين: ليست هذه الصفات التي اعتدنا أن نتكلم بها عن الله. الرحمة؟ القضاء؟ الحقّ والعدل؟ مساعدة الفقير والمسكين!  أيها الأحباء: العدالة تهم الله جدًا. هو يعرّف نفسه بأنه "الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ". نعم أعرف الله محبة... ولكنه عدالة أيضًا. وحقّ. يقضي بالحقّ. ولكلّ ظالمٍ يومٌ. من المهم ألا ننسى هذا الجانب من الله. لا يكفي أن نركز على أنه محبة، وأن نتكلم فقط عن نعمته. سيخلق هذا عدم توازن في الكون.
بالأمس، طالبان فجرّت وقتلت، وراح المئات ضحايا. القنبلة زرعت في سيارة إسعاف.  95 قتيل و158 جريح. كان خبرًا عابرًا، ولو كان الانفجار في دولة أوروبية أو أمريكا لقامت الدنيا وقعدت. غضبت جدًا. أحباء الله، خليقته، أبرياء يموتون. وقبلهم وبعدهم الكثيرون. شاركت الخبر على صفحتي، وعلّق أحد أصدقائي: "هناك جهنم... لا بدّ أن هناك جهنم!"
" أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ"... 
وإذا كان الله يهتم بالعدالة، فيجب علينا نحن أيضًا أن نهتم بالعدالة! يجب أن تكون المحاماة عن المظلومين جزء من دعوتنا. في الكتاب المقدس، يرتبط العدل بالفئات المهمشة، أي من لا سند لها: اليتامى، الأرامل، الفقراء، الغرباء. واليوم نحن أيضًا مدعوون للصلاة والعمل من أجل الفئات المهمشة. لذا يعلّق اللاهوتي الألماني المعروف كارل بارت بأن الله في عدله ينحاز مع المظلومين والفقراء. وهو يميل في عدله نحو الرحمة، لليتامى والمحرومين والمسحوقين. هو ينحاز للمضطهدين. 
نعم، لا يكفي أن نقول إن الله عادلٌ، وأنه يهتم بالعدالة، بل يجب أن نهتم نحن أيضًا بما يهتم به الله.
الظلم حولنا في كلّ مكان. ففي مجتمعنا، نحن نميّز بين الناس ونظلم ونخدع ونستغل بعضنا بعضًا. الأمانة كثيرًا ما تكون مفقودة.
في عائلاتنا... هل هناك ظلمٌ نحو نسائنا؟ نحو الضعفاء من لا سند لهم؟
في أعمالنا: هل هناك ظلمٌ في مصانعنا... في الأجور؟ وفي مؤسساتنا؟
هذه كلها أمورٌ تحزن الله. يجب أن نقاوم الظلم، ونبدأ بأنفسنا أولاً...
وهل أحتاج أن أتكلم عن الاحتلال والتمييز العنصري؟ فالاحتلال والظلم مترادفان! الغيابة مفقودة في فلسطين والعالم لا يبالي. وأقوياء الأرض يتجبرون بنا ويقترعون على أرضنا.
هنا أهمية رسالة الأنبياء! هنا أهمية أرمياء. " أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ".
ختامًا، لنتذكر ما قاله يسوع: طُوبَى لِلْجِيَاعِ وَالْعِطَاشِ إِلَى الْبِرِّ، لأَنَّهُمْ يُشْبَعُونَ (متى 6:5). فلنحذر أحبائي من الروحانية المزيفة التي تغيّب أذهاننا عما يحزن قلب الله – بالتكلم عن الروحانيات والسماويات والابتعاد عن "السياسة". أحب ما قاله مارتن لوثر كنج:
"أي ديانة تدعي بأنها تُعنى بأرواح البشر، ولا تبدي أيّ اهتمام بالذلّ والفقر الذي يعيشون به، وبظروفهم الاقتصادية الخانقة، وأحوالهم الاجتماعية التي تشلهم --- فهي ديانة فانية يجب دفنها".

" أَنَا الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ"...  هذه أمورٌ تهم الله، ويجب أن تهمنا.
واليوم، إذا أرى تجبّر الشرير، كبرياء الرؤساء، تسلّط الأقوياء... أعظ على نفسي: الله هو "الرَّبُّ الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ". انتظري يا نفسي قضاء الربّ. وفي صليب المسيح، أتذكر رحمة الله – وعدله أيضًا. وأيضًا أرى أن الله قضى على الموت والشرّ، وانتصر على الظلم وكلّ أنواع الشرّ. تألم وعانى وضحى، وقال الحقّ – ودفع الثمن. فدى البشرية، وأراها طريقًا أفضل، الطريق نحو الله، فاتحًا لنا الباب للحياة. هذا هو رجاؤنا. هذا إيماننا. هذا إلهنا له المجد، الصَّانِعُ رَحْمَةً وَقَضَاءً وَعَدْلاً فِي الأَرْضِ. آمين







Comments